حينما أتذكر وطني المعذب بالقهر والبعد يشتعل بداخلي بركان شوقي فيلقي بحممٍ تحرق قلبي، تحلق روحي المسكونة بعشقه فتتخطى كل الحدود والحواجز والأسلاك الشائكه، تجوب أرضه المليئة بالغربان المسلحة، تهمس لجدرانه وتلمس تراب أرضه المعبقة بدماء الشهداء والأشلاء ، وتقف عند أبواب مسجده بانتظار أن يصدح صوت آذانه لترتبط أرضه المقدسة مع طهارة السماء.
نحن المعذبون في المنافي والشتات بعشق يختزل كل المسافات ويلغي جغرافية الأرض، لازلنا نحمل الوطن ومفتاح عودتنا، ولم يتحول الوطن رغم البعد وقهر السنين لقطعة أرض ذات حدود، لن يصبح رغم الألم والجرح الكبير ألبوم صور نبكيه كلما مرّت بخيالنا ذكراه، ذلك الوطن الذي يعذبنا هو همس الروح ونبض القلب، هو الهوية والإنتماء ورمز الوجود، عند بوابته التقت الأرض مع السماء، هُجّرنا منه وحملناه ولم نحلم يوماً أن نعود إلا إليه، ولم نحمل يوماً جريمةَ عشق إلا له، يعذبنا ونتعذب به في المطارات والموانيء والمعابر وأرض الله الواسعة في الشتات.
وطن معذب بغربان مهاجرة حطّت على الأشجار، دنست الأغصان وعليها اتخذت بيتاً للعنكبوت محاطاً بالجدار والأسوار، قطعان من الخنازير اغتصبوا الطرقات المقدسة التي ما مرّ بها إلا الاولياء، هدموا البيوت والمساجد التي طهرها ظل الانبياء، اقتلعوا الزيتونة المباركة رمز الحق والانتصار، ليل مظلم يحبس النور، غيم يحبس الأمطار، دنسوا الارض واختطفوا خلف قضبان زنازينهم زهورها، جلاد مع بعض كوفية مهترئة ينتهك كل الحرمات، مجرم دائم البحث عن ضحيته لينشر رائحة الموت في كل ركن وزاويه.
لازلت مؤمناً بأن الشمس رغم السحابة السوداء ستشرق لتضيءَ بوابة السماء وتبدد ظلام غربان سوداء شوّهت شوّهت جمال اللؤلؤة البيضاء، بوابة السماء الشاهدة على ضعفنا وتخاذلنا بعد أن تركناها وحيدة بين أنياب الثعلب وقطعان الخنازير القادمة من أقاصي الأرض تبحث عن آثارٍ مزيفة لتثبت أنها كانت ذات يوم هنا